Page Nav

HIDE

Grid

GRID_STYLE
latest

مواطن صالح.....

تحسست أطرافي وأفكاري والأنامل التي تحملها أطرافي، هل هي موجودة أم لا؟ بل هي موجودة. وهل تشعر بدبيب النمل حين يجعل منها طريقًا إلى بيته؟

تحسست أطرافي وأفكاري والأنامل التي تحملها أطرافي، هل هي موجودة أم لا؟ بل هي موجودة. وهل تشعر بدبيب النمل حين يجعل منها طريقًا إلى بيته؟

نعم، أحس. فوجدت كل شيء موجودًا في مكانه الموضوع له، والحياة تدب فيه، إلا أفكاري، فهي مغيبة عن مكان التركيز. لم تعد تفكر وتركز، كأنما خُدرت الخلايا التي يحملها مخي، كلها ماتت ولم يبقَ إلا هذا الجسد الممشوق ينتظر الاندثار والرجوع إلى الأصل، إلى التراب. هكذا قرأنا وتعلمنا أن أصل الإنسان تراب، وما يبقى إلا ما نسجته أدمغتنا من أفكار سواء كانت جميلة أو قبيحة.

 

وأستفيق تحت سقف اللاوجود، رغم أن هذا المخ الذي يحمله رأسي يسجل الحركات والتقاطعات. العين تبصر البشر، وحاسة السمع تتلقف الكلمات والضحكات، ويزعجها البكاء القادم من تحت الأنقاض في ربوع أرض الوطن، سوريا، فلسطين، واليمن، وما خلف جدران البيوت والسجون والمستشفيات، وأصوات الثكلى القادمة من المقابر التي تطل على وطن منا. وأنا أريد التخلص منهما لأعيش ما تبقى من الزمن الذي مر (فات) ولم أتوقف عن البحث عن ما أريد والتخلص من ماذا أريد. لكن مصيبتي أنني لا أعرف ما الذي أريد.

 

فمشيت أتخطى وأعبر حواجز الأمل، رسمتها كلمات وضعت في أوراق بيضاء على طائلة الطريق الذي يعبر بنا عبر حديقة القصر الكبير، الذي توزع لنا من شبابيكه وأبواب مكاتبه قطرة الهواء الذي نستنشقه أملًا، حالمين بالحرية وحياة الرخاء. ولكل مواطن منا حلم ادخار دولار أو البعض منه ليضمن لنا صيرورة الفرح وعيش الرغد. فبعد خمسين ميلًا وأكثر ببعض الأميال.

 

أغلق عيني وأفتحها للانتقال من مكان إلى آخر بلا اختيار. فأفتح بصري على سوق المدينة، البشر فيه كالأنعام يتدافعون. فقد فيها الإنسان عذريته وقيمة آدم التي أودعها الله فيه منذ البدء. ولم أشعر حتى أصبت بلعنة المنهزم الذي يقتدي بالجماعة ويتخلى عن إرادة العيش بحلم الفرد. فوجدتني فاصلة أو حرفًا في كتاب سيكولوجيا الجماهير.

 

فعاد الفراغ ليغزو تفكيري. ما الذي أفعله؟ أستغفر الله وأتعوذ من عثرات الشيطان. لم يعد يفلح معي شيء، حتى عد عدد الزوايا القائمة وأنا في طريقي إلى الهدف، وأعيد حساب عدد الأعمدة الموجودة على جنبات الأرصفة والشوارع التي أعبرها لأصل إلى هدفي المرغوب.

 

أتوقف عن المشي للحظة، ما الذي كنت أرغب في الوصول إليه؟ بيتنا، المدرسة، البقالة أو المؤسسة؟ لكن لم يبقَ عقد يربطني بالمؤسسة التي كنت أعمل بها.

البقالة تركتها في الخلف. بيتنا لقد خرجت منه منذ زمن، والمدرسة ليست لي بها أي علاقة؛ حتى أصغر أبنائي قد فاته عمر الدراسة. إذاً ما العلاقة التي تربطني بهما؟ أستغفر الله، لقد جننت... عفواً، لقد تذكرت أنني مواطن صالح.


ليست هناك تعليقات